articlbook

كيف نشأت نظرية العقد | كتاب مهم لكل قانوني



العقد الاجتماعي


صدر في نيسان 1762يعد بحق اقوى المؤلفات السياسية والذي خصصه لافكاره حول الدولة والسلطة والحق الطبيعي عالج هذا الكتاب موضوعات مختلفة اهمها : حياة الفطرة والعقد الاجتماعي والسيادة من حيث اصلها واوصافها وحدودها ،والحكومات واشكالها والفنون والادارة العامة .
يفتتح (روسو) كتابه بمقولته الشهيرة :”ولد الانسان حرا الا انه مكبل في كل مكان بالاغلال، على ذلك النحو يتصور نفسه سيد الاخرين الذي لا يعدو ان يكون اكثرهم عبودية ” وقصد من ذلك ان تاريخ الانسان ينقسم الى مرحلتين : مرحلة سابقة على وجود الحكومة ومرحلة لاحقة بها ، ففي المرحلة الاولى كان الانسان في حالته الطبيعية غير مقيد بقوانين وضعية ولا خاضع لغير احكام القانون الطبعي المنبث في نفس كل انسان بمقتضى الفطرة ، ولكن الانسان اضطر الى الخروج من هذه الحالة الطبيعية واتفق مع بني جنسه على ايجاد نظام اجتماعي يخضع فيه كل فرد الى حكم المجموع مقابل قيام المجموع بحمايته وتنازل فيه عن حريته الطبيعية بمقابل تمتعه بالامن المكفول له من بني جنسه وبذلك ابدل القانون الطبعي بقوانين بشرية واصبح على الافراد واجبات للمجتمع ولهم قبله حقوق وهذا الاتفاق يشبه التعاقد ومضمونه مبادلة واجبات بمزايا .
وان هذا الالتزام الاجتماعي والخضوع للسلطة لايمكن ان يكون اساسهما القوة ، اذ ان تاسييس السلطة على حق الفتح والغزو يعني انكار فكرة الحق كليا .وكذلك لايمكن ان يستند الالتزام الاجتماعي الى فكرة السلطة الطبيعية للاب أو لأي رئيس يزعم انه يستمد سلطته الطبيعة ، ” فالاسرة وهي اقدم الجماعات البشرية ارادية اتفاقية ذلك ان الابناء لايرتبطون بابيهم الا لزمن محدود بحاجتهم اليه في المحافظة عليهم ورعايتهم وما ان تزول هذه الحاجة حتى ينحل ذلك الرباط الطبيعي ويعفى الابناء من واجب الطاعة نحو ابائهم كما يعفى الاباء من التزام الحماية والرعاية لهم ويسترد ليست ظاهرة طبيعة غير ارادية بل ظاهرة هؤلاء واولئك حريتهم الطبيعية ،فاذا بقيت مع ذلك الاسرة قائمة واستمرت الرابطة بين الاباء والابناء فلن يكون ذلك الا نتيجة لاتفاق حر ورغبة مشتركة في الابقاء على الاسرة لانها لا تبقى اسرة الا بالتعاقد ” .
وكذلك كل جماعة سياسية لا يمكن تصور وجودها الا باتفاق الافراد فيما بينهم على الحياة في الجماعة، وهذا الاتفاق او العقد الاجتماعي لن يكون سليما ومشروعا الا اذا صدر عن اجماع الارادات الحرة للافراد المكونين للجماعة وان هذا العقد لا يستمد قوته من رضاء الافراد فقط بل تتوقف صحته ايضا على طريقة استعماله ، والغاية التي يهدف الى تحقيقها ، فلن يكون صحيحا مالم يحقق حياة افضل من حياة العزلة التي تسودها الحرية والمساواة . وليس حياة الفطرة بنظر روسو هي اسعد حالة للحياة البشرية بل العكس لان الجماعة هي وحدها التي ترتقي بالانسان وبمعنوياته وترتفع بتفكيره ومشاعره وتحل العدالة والفضيلة مكان الغرائز والشهوات وتحكم العقل بالتصرفات .
اختلف روسو مع كل من (توماس هوبس ) (1588-1679) و(جون لوك)(1632-1704) في مسالة العقد الاجتماعي وتحديد اطرافه وتعيين اهدافه ، وعلى خلاف هوبس الذي يرى ان العقد الاجتماعي ما هو الا اتفاق الافراد فيما بينهم على اقامة السلطة , أي ان كل فرد يلتزم في مواجهة الاخرين , على خلاف لوك الذي يجعل العقد بين الافراد والمحاكم فردا او اكثر يرى روسو :ان الافراد انما يبرمون العقد مع انفسهم على اساس ان لهم وجهين او صفتين من حيث كونهم افرادا طبيعين كل منهم في عزلة عن الاخر ,ومن حيث كونهم اعضاء متحدين في الجماعة السياسية المزمع قيامها . أي ان روسو اتفق مع هوبس في ان الحاكم ليس طرفا في العقد , فهما يختلفان من حيث ان هوبس يضمن العقد الاجتماعي مجموعة عقود بعدد الافراد
المكونين للجماعة يلتزم فيها كل منهم قبل الافراد الاخرين .بينما روسو يحسب ان طرفي العقد هما الافراد الطبيعيون من ناحية ومجموع الافراد اعضاء الجماعة السياسية من ناحية ثانية ،أي    ان روسو يتخيل الجماعة السياسية كما لو كانت قد تكونت با لفعل ويدخلها طرفا في العقد والافراد والافراد الطيبيعين طرفا اخر , ويرى روسو ان على الافراد في العقد الاجتماعي ان ينزلون كلية ( يتخلون ) ودون ودون تحفظ عن جميع حقوقهم للمجموع . على ان هذا النزول لايفقد الافراد حرياتهم وحقوقهم نهائيا لانهم سيستعيضون عن حرياتهم وحقوقهم الطبيعية التي نزلوا عنها بحريات وحقوق مدنية تقررها لهم الجماعة المدنية التي اقاموها بل ان وجود هذه الجماعة يفترض هذه الحقوق والحريات المدنية لانها ما قامت الا لحمايتها .
ويدلل روسو على وجهة نظره بالطريقة الاتية : (حيث ان النزول الكلي هو متساوي لجميع الافراد وبالتالي تبقى المساواة الطبيعية بين الافراد قائمة وما دامت المساواة موجودة فستكون الحرية كذلك لانه لن يتعدى احد على الاخر دون ان يسيء في ذلك الوقت نفسه الى المجموع أي ان الافراد ما داموا متساوون فيما بينهم فحالتهم جميعا واحدة ومن ثم تكون الاساءة الى لاحدهم اساءة الى كل واحد منهم فالفرد اذ يضع قواه وحقوقه في يد المجموع يسترد بوصفه عضوا في الجماعة عضوا في الجماعة وجزاء لايتجزأ من حقوقها ومن ثم تكون المساواة والحرية ).
وعموم القول فان العقد الاجتماعي برأي روسو هو اداة ارادية تنازل به الافراد عن حريتهم الطبيعية واذابوا ارادتهم الفردية في ارادة عامة مشتركة ,وهذه الارادة العامة هي السلطة صاحبة السيادة ، ووالسيادة التي تتكون من هذا التعاقد يكون لكل فرد نصيب فيها مساوي لنصيب الاخر وهذا الجزء الذي يخصه من السيادة لا يمكن انتزاعه منه وتتولى السلطة صاحبه السيادة حماية هذه الحقوق , والسيادة لا تتجزأ ولا توكل ولا تنتقل ولا يتصرف بها و تقبل التفويض او الانابة لان السيادة ليست جزءا من العقد بل هي وكيلة تابعة للارادة العامة (*)وانها لا تستطيع ابد االتنازل عن ذاتها ، وان السلطة يمكن ان تنقل اما الارادة فلا .


كان روسو يحلم بجمهورية شعبيبة او هيئة سياسية يطلق عليها اعضاؤها اسم دولة يستطيع كل فرد فيها ان يشعر بانها جمهوريته , ودولة يشعر كل فر د بأنه عضو مساهم فيها .
بعد سقوط الشرعية الدينية كأساس للحكم في أوروبا، أصبح من الضروري البحث عن شرعية بديلة يقوم عليها الحُكم السياسي وتتحدد على أساسها مسئوليات الحاكم والمحكوم، والواجبات والحقوق المترتبة على كل منهم. لذلك ظهر العديد من المفكرين والفلاسفة الذين عملوا على إيجاد ميثاق شرعي جديد يحكم العلاقة بين الطرفين، وكان من بين هؤلاء المفكرين الذين سعوا لإيجاد هذا الميثاق جان جاك روسو الذي طرح فكرة العقد الاجتماعي إلى جانب مجموعة أخرى من المفكرين التنويريين أمثال توماس هوبز وجون لوك.

ليست هناك تعليقات